الأحد، 12 يونيو 2011

جدتي أمريكا

أتذكّر أنه عندما كان يحل المساء ونحن صغار، كانت جدتي حينما نرفض النوم تدعي أن الغول سيأتي لالتهامنا، فلا نأبه كثيرا لقولها ونتابع اللعب، لتبدأ هي في حياكة تكملة لادعائها، فتمدّ يدها لتطرق  على النافذة مدّعية أن الغول يطرق الباب وإن لم نضع رؤوسنا على المخدات ربما يدخل، ولأن براءة الطفولة وقتها كانت تجعلنا نصدق بكل سهولة كل ما يقال كنا نفزع لتلك الدقات ونهرع للسرير، ثم تقف جدتي وتفتح الباب قليلا وتصرخ بصوت عال اذهب ايها الغول لقد نام الصغار، وترجع إلينا لتهمس بصوت خافت يشعرنا بالأمان والثقة ـ لقد انصرف ناموا يا أحبائي  ـ فكل مساء نكون تحت رحمة جدتي القويّة التي تخيف الغول، ولأن جدتي نفسها هي من أخبرنا أن الغول سيأتي، وهي من ادّعت أنه أتى ليلتهمنا، وهي أيضا من فتحت الباب وتأكت من وجوده وجعلته ينصرف، لم يكن بموسوعنا سوى تصديقها بما أننا كنا صغارا جدا على استيعاب الخدعة.

لكن بالمقابل فجدّتنا أمريكا أطال الله عمرها رغم أنوفنا، تريدنا أن نصدق نفس قصة الغول بنفس التفاصيل وعلى طريقة جدتي المرحومة ذاتها بنفس الحبكة الدرامية القديمة جدا التي لم يعد اليوم يصدّقها حتى أطفال الجيل الجديد، فجأة ابتكرت جدتنا أمريكا بطلا أطلقت عليه من الأسماء أسامة ثم عملت على نفخه وتضخيمه، وتوسيع دائرة سيطرته وبطشه وهيمنته، وصنعت له أحداثا وتاريخا ومجدا عتيدا، وادّعت أنه صاحب قوة ونفوذ وأنه يهدّد أمانها، ويقلق منامها، وبدأت تورثها الإعلامية بكان يا ما كان، وبأفلام وثائقية لا نعلم مدى صحتها، شغلت العالم بسيرة السيد أسامة، وبأعماله التخريبية، ثم يطلق المسؤولون في تلك الأرض السعيدة العنان لتصريحات تلو الأخرى بأنهم على وشك القبض على السيد ثم ينفلت منهم ثم يهاجر الى مكان فتبعث هي بجنودها وكل جيوشها لنفس المكان حتى تقلب أعاليه أسافله والسبب البحث عن أسامة، ولنفس السبب اخترقت من البلدان ما شاءت وما ملكت أيمانها ولم يتجرأ أحد على الاعتراض أو حتى السؤال لما انتهاك حرمة الدول واختراق حدودها أيا كانت الاسباب، ولا أظن أن جدتنا أمريكا كانت لتسمح لأحد حتى بالإطلالة من وراء بابها في حالة ممثالة، المهم أن السيد أسامة حتى ولو كان له أساس من الصحة وهذا افتراضيا طبعا، فقد كان الشماعة التي تعلق عليها خروقاتها لقوانين أي بلد بل وتبيح لنفسها التدخل في سياسة أمن البلدان هي التي لا تستطيع حماية حدودها من المهاجرين السريين، هذا وإن لم تكن هي ذاتها تدعم التفجيرات تلك لخلق البلبلة الإعلامية وهز الأمن لاستعراض العضلات كما هو الحال دائما لتظهر في الأخير بهيأة البطل مخلص الشعوب من الحروب (مع انها كانت سببا مباشرا في اندلاع عدة حروب ـ الفيتنام والعراق مثلا ـ ) من الظلم وفرض قائمة طويلة لحقوق الانسان (مع أنها تمتلك أكبر وأشنع سجن بالعالم لا يتوفر سجانها فيه على ابسط حقوق للإنسان) ومن الفقر (رغم أنها تقدم قروض للملايين باليمين وتأخذها بالشمال وتغرقهم في الديون فلو بيدها تلك العصا السحرية لأنقذت أفقر أحيائها من فقرهم وجوعهم ولو بيدها تحقيق الامان لْأحد لَأنقذت المقيمين بأراضيها من حالة الجرائم المتفشية فالمعروف عنها انها تملك أخطر المجرمين واكبر عدد من الجرائم ـ وعلى قولتنا نحن العرب ـ لي بيته من زجاج ما بيرمي غيره بالحجر ـ)، المهم ولأن أسبابها واهية جدا في تخليص العالم من العذابات ولأن لا أحد بات يصدق تخبيصاتها، تَقَدَّم السيد أوباما متطوعا من ذات نفسه ليعلن للعالم أنه وأخيرا قضى على الغول الافتراضي أسامة ليصفق له زملاءه بالمسرحية مباركين ومهنئين فتذكرت المثل الشعبي العربي القح (بيكذبو الكذبة ويصدقوها) ولا تسألوا أين الجثة أبدا لأنه جهز الجواب بدون اي اجتهاد في الحبكة لقد دفنوه بجانب البحر ومرة رموا الجثة في البحر، وحتى يتفقوا على كلام موحد دعوني أقول:

عفوا جدتي أمريكا ما عدنا صغار ولا بلهاء ولا حمقى ولا مختلون ولا متخلفون ولا كنا يوما كذلك ولا يمكن أن يقنعنا أيا كان بأننا إرهابيون لأن ديننا دين سلام ومحبة وسماحة وآيات كتابنا الكريم دستور لحقوق كافة الكائنات ليس فقط قائمة لحقوق الانسان مكتوبة بحبر يمسحه كاتبه ولا يطبق عقوباته سوى على الغرباء متى شاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق