الأحد، 26 يونيو 2011

صعلوك الحـــي

في الحي الشعبي الذي أسكن فيه وعلى شاكلة كل الأحياء من هذا النوع حيث الفقر والجريمة والجهل والضوضاء والفوضى العارمة ولأن السوداوية ليست هي الغالبة الأكبر في شعبية المكان فالمفارقة الغريبة أنه وسط كل هذا يوجد ما يوجد من  تلقائية وبساطة في العيش والمعاملة، ولأنني لا أحبذ التشاؤم ولا أؤيده أبدا فلكل مكان له جاذبيته الخاصة، أما جاذبية حينا فتكمن في بعض الأحداث اليومية التي تبعث على الضحك المبكي أحيانا، أسرد عليكم اليوم واحدة من تلك التي يسمونها غيرنا نهفات.
قرر أحد الصعاليك وفي صحوة من السكر غير مسبوقة أن يُشَكّل ودادية لحراسة الحي، ولا تسألون لماذا يتحول سكير متسكع في الحي متشدق بشتى أنواع الكلمات البديئة وانتم تعلمون الى أي مدى يصل السكارى من تطاول في الكلام أما لمن لا يعلم فالألفاظ تصل لأدنى مستويات التخيل "لا عجب أنا التي تقضي اللياالي البيضاء في تعداد النجوم جراء كثرة الصعاليك المتجولين بالحي" فلا نوم يأتي بتوفرهم وإدا حضروا هم رحل الهدوء"
المهم فواحد من أولئك قرر وفجأة في نقلة فريدة من نوعها وفي أحد مساءات حينا المشهور أن يأسس ودادية للحراسة وتوفير الأمن طبعا ومن دون مشورة أحد نزل علينا الخبر كنكتة أو كصاعقة لا أدري كيف سنصنف الخبر فبمجرد سماعه أصابتني هستيريا من الضحك إلى أن دمعت أعيني، طرق الباب وصاح بصوته الغني عن كل تعريف والذي أميزه من بين ملايين الأصوات، فقد أدمنت مواويله كل ليلة نزلت أمي المسكينة مضطرة وجدت ساكنة الحي مجتمعة وصعلوكنا حامي حمى الحي يبشر الجميع بخبره السعيد وعلى غير كل الوداديات فوداديتنا المباركة ليس لها قوانين ولا فصول ولا بنود ولا ترتكز على اتفاقيات ولا مناقشات هو قرار وحيد ومنفرد لصعلوكنا على الجميع تقبله حيث حدد المبلغ الشهري لكل بيت في المنطقة رفعت الأقلام وجفت الصحف، صاح أحد الجيران قائلا من أين لي بالمال فَرَدّ صعلوكنا مجيبا بكل شفافية بشتى أنواع المسبات والشتائم ففهمت حينها أن الإجابة عليها أن تكون بنعم فقط ولا توجد "لا" اختيارية أبدا حيث أننا عدنا لعهد الفتونة مرغمين ولسنا براغبين، والسيد قرر تغيير نشاطه من سكير بالليل وقاطع طريق بالنهار إلى فتوة، وذاك حق مشروع، لأن من أهم بنود حقوق الإنسان حرية التغيير، لذلك لم يعترض أحد فنحن دولة الحريات العامة، لم نستطع الرد بالرفض حتى لا يقال أننا متزمتين ديكتاتوريين متعنتين في تطبيق الحقوق والحريات، ذكرني هذا الصعلوك بحالة صادفتها حينما زرت إحدى إدارات الأمن من أجل تغيير بطاقتي الشخصية، حيث أنه في ذلك اليوم دخلت إحدى المواطنات إلى مكتب أحد الموظفين فصرخ قبل أن يعرف سبب دخولها رغم أنها طرقت الباب واستأدنت، صرخ عليها بقوة زعزعت الكرسي الذي كنت أجلس عليه، اقتربت هي منه بخفة الواثق لتضع بين يديه عشرون درهما لتتحول كل ملامح وجهه من غاضب ثائر إلى هادئ مسالم بابتسامة هي الأكبر من نوعها قائلا تذكرتك يا جارتي العزيزة بماذا تأمرين، فقط عشرون درهما نشطت ذاكرته وجعلت من الغريبة جارة مقربة ملبيا كل أوامرها من دون الحديث أنه سبقها على كل الجالسين والواقفين في طابور طويل، فإذا كانت الفتونة في الإدارة لا داعي من استغرابها واستكثارها على العامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق